فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.موعظة:

قال الثعالبي:
أَيَّها الأَخُ أَشْعرِ قلبك مَهَابَةَ رَبِّك، فإليه مآلك؛ وتأهب للقدوم عليه؛ فقد، آنَ ارتحالك؛ أنت في سكرة لذاتِك؛ وغشية شهواتكِ؛ وإغماء غفلاتِك؛ ومِقْراضُ الفناء يعمل في ثوب حياتك؛ ويفصل أجزاء عمرك جُزْءًا جزءًا في سائر ساعاتك؛ كل نفس من أنفاسك جزءٌ منفصل من جملة ذاتك وبذهاب الأجزاء تذهبُ الجمل، أنت جملة تؤخذ، آحادها وأبعاضها، إلى أن تستوفي سائرها عساكر الأقضية، والأقدار مُحْدقة بأسوار الإعمار؛ تهدمُها بمعاول الليل والنهار؛ فلو أضاء لنا مِصْباحُ الاعتبار؛ لم يبقَ لنا في جَمِيع أوقاتنا سكونٌ ولاَ قَرار. انتهى من الكلم الفارقية والحكم الحقيقة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {اقترب لِلنَّاسِ}: اللامُ متعلقٌ بـ: {اقترب}. قال الزمخشري: هذه اللامُ لا تخلُو: إمَا أَنْ تكونَ صلةً لاقترب، أو تأكيدًا لإضافة الحسابِ إليهم كقولك: أَزِفَ للحَيِّ رحيلُهم الأصل: أَزِفَ رحيلُ الحيِّ، ثم أَزِفَ للحيِّ الرحيلُ، ثم أزف للحيِّ رحيلُهم، ونحوه ما أوردَه سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقِرُّ توكيدًا نحو: عليك زيدٌ حريصٌ عليك، وفيك زيد راغب فيك، ومنه قولهم: لا أبا لك لأنَّ اللاَم مؤكدةٌ لمعنى الإضافة. وهذا الوجهُ أغربُ من الأول. قال الشيخ: يعني بقوله صلةً لاقتربَ أي: متعلقةً به. وأمَا جَعْلُه اللامَ تأكيدًا لإضافة الحسابِ إليهم مع تقدُّمِ اللامِ ودخولِها على الاسمِ الظاهرِ، فلا نعلم أحدًا يقول ذلك، وأيضًا فتحتاج إلى ما تتعلَّقُ به. ولا يمكن تعلُّقها بـ: {حسابُهم}؛ لأنه مصدرٌ موصولٌ، لأن قُدِّم معمولُه عليه. وأيضًا فإنَّ التوكيدَ يكونُ متأخرًا عن المُؤَكَّد، وأيضًا فلو أُخِّر في هذا التركيبِ لم يَصِحَّ. وأمَا تشبيهُه بما أورد سيبويهِ فالفرقُ واضحٌ فإنَّ عليك معمولٌ لـ: حريصٌ، وعليك المتأخرةُ تأكيدٌ، وكذلك فيك زيدٌ راغبٌ فيك يتعلَّقُ فيك بـ: راغبٌ، وفيك الثانيةُ توكيدٌ. وإنما غَرَّه في ذلك صحةُ تركيبِ حسابِ الناس، وكذلك أَزِفَ رحيلُ الحيِّ فاعتقدَ إذا تقدَّم الظاهرُ مجرورًا باللامِ وأُضيف المصدرُ لضميرِه أنَّه من بابِ فيك زيد راغب فيك، فليس مثلَه. وأمَا لا أبا لك فهي مسألةٌ مشكلةٌ، وفيها خلاف، ويمكن أن يقال فيها ذلك؛ لأنَّ اللامَ فيها جاوَرَتِ الإضافة، ولا يُقاس عليها لشذوذِها وخروجها عن الأقيسةِ.
قلت: مسألةُ الزمخشري أشبهُ شيءٍ بمسألةِ لا أبا لَك، والمعنى الذي أَوْرده صحيحٌ. وأمَا كونُها مشكلةً فهو إنما بناها على قولِ الجمهورِ، والمُشْكِلُ مقررٌ في بابِه، فلا يَضُرُّنا القياسُ عليه لتقريرِه في مكانِه.
قوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} يجوز أَنْ يكونَ الجارُّ متعلقًا بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الضميرِ في {مُعْرِضُون}، وأن يكون خبرًا للضمير، و{مُعْرِضون} خبر ثانٍ. وقولُ أبي البقاء في هذا الجارِّ إنه خبرٌ ثانٍ يعني في العددِ، وإلاَّ فهو أولٌ في الحقيقة. وقد يقال: لَمَا كان في تأويلِ المفرد جُعِل المفردُ الصريحُ مقدَّمًا في الرتبةِ فهو ثانٍ بهذا الاعتبارِ. وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال من {للناس}.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)}.
قوله: {مُّحْدَثٍ}: العامَّةُ على جَرِّ {من} {مُحْدَثٍ} نعتًا لـ: {ذِكْرٍ} على اللفظِ. وقوله: {مِّن رَّبِّهِمْ} فيه أوجهٌ، أجودُها: أن يتعلَّقَ بـ: {يَِأْتيهم} وتكونُ مِنْ لابتداءِ الغايةِ مجازًا. والثاني: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الضمير المستترِ في {مُحْدَثٍ}. الثالث: أن يكونَ حالًا مِنْ نفسِ {ذِكْرٍ} وإنْ كان نكرةً لأنَّه قد تَخَصَّصَ بالوصفِ بـ: {مُحْدَثٍ}، وهو نظيرُ ما جاءني رجلٌ قائمًا منطلقٌ فَفَصَل بالحالِ بين الصفةِ والموصوفِ. وأيضًا فإنَّ الكلامَ نفيٌ وهو مُسَوِّغٌ لمجيء الحالِ من النكرةِ. الرابع: أَنْ يكونَ نعتًا لـ: {ذِكْر} فيجوزُ في محلِّه الوجهان: الجرُّ باعتبارِ اللفظِ، والرفعُ باعتبارِ المحلِّ لأنه مرفوعُ المحل إذ مِنْ مزيدةٌ فيه، وسيأتي. وفي جَعْلِه نعتًا لـ: {ذِكْرٍ} إشكالٌ من حيث إنه قد تقدَّم غيرُ الصريحِ على الصريحِ. وتقدَّم تحريرُه في المائدة. الخامس: أَنْ يتعلَّقَ بمَحذوفٍ على سبيلِ البيان.
وقرِأ ابنُ أبي عَبْلة {مُحْدَثٌ} رفعًا نعتًا لـ: {ذِكْرٍ} على المحلِّ لأنَّ مِنْ مزيدةٌ فيه لاستكمالِ الشرطين. وقال أبو البقاء: ولو رُفِع على موضع {مِنْ ذكْر} جاز. كأنه لم يَطَّلِعْ عليه قراءةً. وزيدُ بنُ علي {مُحْدَثًا} نصبًا على الحال مِنْ {ذِكْر}، وسَوَّغ ذلك وصفُه بـ: {مِنْ ربِّهم} إنْ جَعَلْناه صفةً، أو اعتمادُه على النفي. ويجوز أن يكونَ من الضمير المستتر في {مِنْ ربهم} إذا جَعَلْناه صفةً.
قوله: {إِلاَّ استمعوه} هذه الجملةُ حالٌ من مفعول {يأتيهم}، وهو استثناءٌ مفرغٌ، و{قد} معه مضمرةٌ عند قوم.
قوله: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} حالٌ مِنْ فاعل {استمعوه}.
{لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)}.
قوله: {لاَهِيَةً}: يجوزُ أَنْ تكونَ حالًا مِنْ فاعل {اسْتَمَعوه} عند مَنْ يُجيز تعدُّدَ الحالِ فتكونَ الحالان مترادِفَتَيْنِ، وأن تكون حالًا من فاعل {يَلْعَبون} فتكونَ الحالان متداخلتين. وعَبَّر الزمخشري عن ذلك فقال: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} حالان مترادفتان أو متداخلتان. وإذا جعلناهما حالَيْنِ مترادفتين ففيه تقديمُ الحالِ غيرِ الصريحة على الصريحة، وفيه من البحثِ كما في باب النعت. و{قلوبُهم} مرفوعٌ بـ: {لاهِيَةً}.
والعامَّةُ على نصب {لاهِيَةً}. وابنُ أبي عبلة بالرفع على أنها خبرٌ ثانٍ بقوله: {وهم} عند مَنْ يُجَوِّز ذلك، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ عند مَنْ لا يُجَوِّزه.
قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} يجوزُ في محلِّ {الذين} ثلاثةُ أوجهٍ: الرفعُ والنصبُ والجرُّ. فالرفعُ مِنْ أوجهٍ، أحدها: أنه بدلٌ من واو {أَسَرُّوا} تنبيهًا على اتِّسامهم بالظلمِ الفاحش، وعزاه ابن عطية لسيبويه، وغيره للمبرد.
الثاني: أنه فاعلٌ. والواوُ علامةُ جمعٍ دَلَّتْ على جمعِ الفاعل، كما تَدُلُّ التاءُ على تأنيثه، وكذلك يفعلون في التثنية فيقولون: قاما أخواك. وأنشدوا:
يَلُوْمونني في اشتراء النَّخيـ ** ـلِ أهلي فكلُّهُمُ أَلْوَمُ

وقد تقدَّمت هذه المسألة في المائدة عند قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} [الآية: 71] وإليه ذهب الأخفش وأبو عبيدة. وضعَّف بعضُهم هذه اللغةَ، وبعضُهم حَسَّنها ونسبها لأزد شنوءة، وقد تقدمت هذه المسألة في المائدة عند قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ}.
الثالث: أن يكونَ {الذين} مبتدًا، و{أَسَرُّوا} جملةً خبريةً قُدِّمَتْ على المبتدأ، ويُعْزَى للكسائي.
الرابع: أن يكون {الذين} مرفوعًا بفعلٍ مقدرٍ فقيل تقديره: يقولُ الذين. واختاره النحاس قال: والقول كثيرًا ما يُضْمَرُ. ويَدُلُّ عليه قوله بعد ذلك: {هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}. وقيل: تقديرُه: أَسَرَّها الذين ظلموا.
الخامس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: هم الذين ظلموا.
السادس: أنه مبتدأٌ. وخبرُه الجملةُ من قوله: {هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ} ولابد من إضمار القولِ على هذا القول تقديرُه: الذين ظلموا يقولون: هل هذا إلاَّ بَشَرٌ، والقولُ يُضمر كثيرًا.
والنصبُ مِنْ وجهين، أحدُهما: الذمُّ. الثاني: إضمار أعني. والجرُّ من وجهين أيضًا: أحدهما: النعت، والثاني: البدلُ، من {للناس}، ويعزى هذا للفراءِ وفيه بُعْدٌ.
قوله: {هَلْ هاذآ} إلى قوله: {تُبْصِرُونَ} يجوز في هاتَيْن الجملتين الاستفهاميتين أَنْ يكونا في محلِّ نصب بدلًا من {النجوى}، وأَنْ يكونا في محلِّ نصبٍ بإضمار القول. قالهما الزمخشريُّ، وأَنْ يكونا في محلِّ نصبٍ على أنهما محكيَّتان بالنجوى، لأنها في معنى القولِ. {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل {تَأْتُون}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]، وفي سورة الشعراء: {وما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5]، فورد في الأولى: {مِنْ رَبِّهِمْ} وفي الثانية: {مِنَ الرَّحْمَنِ} مع اجتماع الآيتين في أن التذكير لا يجدي على ما ذكر في الآيتين، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب، والله أعلم: أن هذين الاسمين العظيمين وهما: الرب والرحمان تواردا في الكتاب العزيز كثيرًا، أول ذلك في الفاتحة، ثم إن اسمه سبحانه الرجمان يغلب وروده حيث يراد الإشارة إلى العفو والإحسان والرفق بالعباد والتلطف والتأنيس، فمن مراده في التأنيس، فمن مراده في التأنيس البسملة، وأم القرآن، وصدر سورة طه، وآية الشعراء المتكلم فيها، وما ورد من مثل الوارد في سورة الفرقان في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 60]، فتحقيق الاعتبار يقتضي تأويله بالرجوع إلى ما ذكرنا، وأما اسمه الرب فيعم وروده طرفي الترغيب والترهيب.
أما الترغيب فبين، وأما الترهيب فحيث يرد معنى ملكيته سبحانه لهم، وانفراده بإيجادهم، وإدرار أرزاقهم، وبيان انفراده تعالى بذلك، ثم هم ذلك على كفرهم. ولما تقدم قبل آية الأنبياء من الأخبار ما طيه وعيد وترهيب مع تلطفه سبحانه بهم بتذكيرهم لم يكم ليناسب ذلك ورود اسمه الرحمان، ألا ترى أن قوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] أشد تخويفًا للمخاطبين، ثم لفظ الناس لفظ لا يخص به المؤمنون، إنما يرد حيث يراد عموم المخاطبين، ويكثر حيث يراد الوعيد والإنذار والتخويف والدعاء الأولى إلى العبادة والدخول في الإسلام، وأما ما ذكر بعد وصفه بالغفلة والإعراض وما انجر مع ذلك فأهل الكفر والتكذيب، والسورة مكية ولفظ الناس عام كما تقدم، إلا أن قوله بعد: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] خاص بمن حكى قولهم الذي أسروه وهو: {هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3].
أما آية الشعراء فمبينية على تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه أن توقف قومه عن الإيمان إنما هو بقدرته تعالى عليهم، ولو شاء لأراهم آية تبهرهم كشق الجبل فوق بني إسرائيل. وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4]، ثم رجع الكلام إلى تعنيف المكذبين، فلما كان بناء الآية على التأنيس والتلطف بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإعلامه بأن تأخير العذاب عنهم إنما هو إبقاء منه تعالى ليستجيب من قدر له الإيمان منهم، فأشاء إلى هذا وناسبه اسمه الرحمان، فقال تعالى: {وما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5]، فقد وضح ورود كل من الآيتين في موضعه على ما يجب ويناسب، والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}.
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم.
بسم الله اسم عزيز من توسل إليه بطاعته تفصل عليه بجميل نعمته، إن أطاع فضله، وإن أضاع أمهله، ثم إن آب وأقر، ذكره، وزإن عصى وعاب ستره، فإن تنصل رحمه، وإن تكبر قصمه.
اسم عزيز ما استنارت الظواهر إلا بآثار توفيقه، وما استضاءت السرائر إلا بأنوار تحقيقه، بتوفيقه وصل العابدون إلى مجاهداتهم، وبتحقيقه وجد العارفون كمال مشاهدتهم وبتمام مجاهدتهم وجدوا آجل مثوبتهم، وبدوام مشاهدتهم نالوا عاجل قربتهم.
قوله جل ذكره: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}.
فالمطيعون منهم عَظُمَ لدينا ثوابُهم، والعاصون منهم حَقَّ مِنَّا عقابُهم.
{فِى غَفْلَةٍ} [الأنبياء: 1] يقال الغفلة على قسمين: غافلٍ عن حسابه باستغراقه في دنياه وهواه، وغافلٍ عن حسابه لاستهلاكه في مولاه؛ فالغفلة الأولى سِمَةُ الهجر والغفلة الثانية صِفَةُ الوَصْل؛ فالأولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا من سكرة الموت، وهؤلاء لا يرجعون عن غيبتهم أبد الأبدِ لفنائهم في وجود الحق تعالى.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)}.
لم يجدد إليهم رسولًا إذا ازدادوا نفورًا، ولم يُنِّزلْ عليهم خِطابًا إلا ردُّوه جحدًا وتكذيبًا، وما زدناهم فصلًا إلا عدُّوه هَزْلًا، وما جددنا لهم نعمةً إلا فعلوا ما استوجبوا نقمة، فكان الذي أكرمناهم به محنةً بها بلوناهم... وهذه صفة مَنْ أساء مع الله خُلُقَه، وخَسِرَ عند الله حقَّه. {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} عَمِيَتْ بصائرُهم وعامت أفهامهم، فهم في غباوة لا يستبصرون، وفي أكنة عمَا اقيم لهم من البرهان فهم لا يعلمون.
قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} لَمَا عجزوا عن معارضته، وسقطوا عن التحدي، وظهرت عليهم حُجَّتُهُ رَجَّمُوا فيه الفِكْرَ، وقَسَّمُوا فيه الظن، فمرةً نسبوه إلى السحر، ومرةً وصفوه بقول الشعر، ومرة رَمَوْه بالجنونِ وفنونٍ من العيوب. وقبل ذلك كانوا يقولون عنه: هو محمدٌ الأمين، كما قيل:
أشاعوا لنا في الحيِّ أشنعَ قصةٍ ** وكانوا لنا سِلْمًا فصاروا لنا حَرْبًا

اهـ.
مناظرة قيمة في الرد على من قال بخلق القرآن بعنوان: